قال بشر الحافي: ((لو عظم الناس ربهم حق عظمته لما عصوه))، قال بن القيم: ((من عصى الله سلط الله عليه جنديان لاينفكان عن قلبه يعني حتى يتوب،الهم والغم)).
قلت: وذلك وهي رحمة ليعود العبد للخالق ويتوب إليه، قال تعالى: ﴿ظهر الفساد في البر والبر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾، فإنما جعل الله غم القلب وهم عقوبة لردع العبد عن عبودية غيره، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة تعس واتكس واذا شيك فلا انتقش))، خرجه البخاري.
فلأجل ذلك ردعه بالهم والغم وقلة الرزق والخوف في الأوطان بعد الأمن، لا ليعكس الأمر فيلجأ للشيطان الإنسي والجني والى اللهو المحرم والغفلة، فيزيد همه وغمه وإنما يتلاعب به الشيطان فيصور له اللذة المحرمة أُنسا وراحة ليغويه، فيزين له الباطل في صورة الحق كما أخرج أبوينا من الجنة، فزين لهم أن الأكل من الشجرة التي نهى الله عنها مبقيا لهم في الجنة وان الشرف في فعل ذلك وانهما سيكونان ملكين وأنهم سيكونان من الخالدين، فاطاعاه فهبطا إلى الأرض.
فاستمعوا الى نصح ربكم، وكلامه قبل فجاءة الموت فلا يفتننكم عباد الله الشيطان، كما اخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهم ليريهما ماوري من سواءاتهما فلا ينزع عنكم لباس التقوى الذي يبنى على العلم بالسنة واتباع السلف والاخلاص فتنكشف عوراتكم فيعود مادحوكم ذامين لكم كما قالت عائشة: إن العبد اذا عمل بمعصية الله عاد مادحوه ذامين له، وذلك ليس على وجه الابتلاء كامنا عائشة وحادثة الافك، ولكن على وجه العقوبة، ومن يفعل المعصية ولا يشعر بالمها فلانه أدمنها والفها، حتى مات إحساس قلبه، بل الفها وهو يألم لتركها.
قال ابن القيم: ((ما ابتلى الله عبدا بعقوبة اشد من موت قلبه))، وفي الحديث: ((إذا رايت الله يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معصيته، فإنما ذلك استدراج منه، فاحذر غواية الشيطان ياعبد الله، فإنه يغري العبد بالتسويف بالتوبه ويشغله باللهو والمنكر عنها ليسليه عن تفقد الم قلبه بها، كما قال ولاغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين، فاللهم اجعلنا منهم.
قال ابن تيمية : ((فإن للكفر والمعاصي من الآلام العاجلة الدائمة ما الله به عليم، ولهذا تجد غالب هؤلاء لا يطيب عيشهم إلا بما يزيل العقل ويلهي القلب؛ من تناول مسكر أو رؤيه لهو أو سماع مطرب ونحو ذلك)).
وأخيرا؛ ذكرنا للعلم والنصح والخير في مجالسنا دعاوى يصدقها العمل، كما روي عن علي: ((العلم يهتف بالعمل فإن أجابه والا ارتحل))، وقال سفيان: ((من ضل من عبادنا ففيه شبه بالنصارى)).
أقول: لأنهم لم يطلبوا العلم على وجه صحيح بل تشاغلوا بالدنيا وبما لايفيد عن طلبه، قال ومن ضل من علماءنا ففيه شبه باليهود لانهم طلبوا العلم ولكن لم يملوا به، وطريقة اهل الحديث وسط بين الضالين والمغضوب عليهم، يطلبون العلم ويجتهدوا ويجاهدوا في العمل به بقوة واعتدال، وهي طريقة اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة﴾، أمره أن يطلب الحق ويعمل به بجد واجتهاد، ولا يتمنى على الله الأماني، فيفجأه الموت وقد كان مهملا للقران والعمل به، اللهم اعذنا من شرور انفسنا والهوى والشيطان
ومن سيئات أعمالنا، وأصلح أعمالنا وقلوبنا.
كتبه اخوكم
ابو عبدالله ماهر القحطاني
الثلاثاء: 13/جمادى الآخرة/1434هـ
الموافق لـ23/إبريل/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق